كُنْ فى هذا العالمُ كالمُسافر!

on

 

عن ابنِ عمرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيّ (صلي الله عليه وسلم) قالْ :”كُنْ فى الدُنيا كأًّنك غريبٌ أو عابرُ سبيل” – صحيحُ البخارى –

فى هذا الحديثِ الشريفِ الذى يتكون فقطْ مِن بِضعِ كلماتٍ، يُبينُ لنا الرسولُ الكريمُ أن الدُنيا عبارة عن رحلة والإنسانُ فيها كالمسافرِ الذى يُسافر من عالمِ الماديات و الشكليات إلى ما هو أبعدُ من ذلك.

 و لكي نعيشَ فيها كالمسافرين حقًا، علينا أن نُدرك حقيقهً فى غاية الأهمية، وهى أننا لنْ نعيشَ فى هذه الدُنيا سوى أيامًا محدودة، وهناك عالمٌ أبدىٌ بعد ذلك فى انتظارنا، لذا يجب أن نُعدَّ أنفسنا جيدًا له ولا نقضي الحياة فقط فى مُواجهةِ الخوفِ واليأسِ والمعاناة!

نحن مُسافرونْ

تبدأ الحياةُ لكلٍ منا حينما يُولد وتنتهي عند موتِ البدن، لكنْ كما أخبرنا رسولُنا الكريمُ أن الموتَ ليس النهاية بل هُو فقط طريقٌ يُودى بنا نحو عالمٍ من الفضيلةِ والكمال.

وإنْ تطرقنا لتعريفِ المسلم، نجدْ أنه من يتطلع ويتشوق للقاءِ ربهِ ولا يخشي الموتَ أبدًا وكما ذُكر فى الحديثِ الشريفِ “الموتُ تُحفة المؤمن” _رواه الطبراني_

وقدْ دَعانا رسولُنا الكريم أنْ نتذكّرَ الموتَ دومًا، فهذا أَحري بنا أن نتحررَ من الخوفِ منه ونعيش الحياةَ بطريقةٍ صحيحة حيثُ أنَّ هذه الدُنيا مُجردْ مرحلة مؤقتة ستمضي سريعًا وبعدها سيأتي العالمُ الأبديّ فيجب أن نستعدَّ جيدًا.

بالنسبة لكثيرٍ منَ الناس، قُلوبُهم مُعلقةٌ بالدنيا وبالتالي يوجد شئٌ من الخوف فى قلوبهم نحو فكرةِ الموت وتجدُهم دومًا يعيشون حياتَهم فى خوفٍ وقلقٍ وترقبٍ مستمر.

يقول الحقُ -سبحانه وتعالي- فى كتابهِ العزيز “ألا إن أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحزنُون”

 منْ هُم أولياءُ الله؟ هم ببساطةٍ منْ يعيشونَ وقلوبهم معلقةٌومتصلةٌ بالله تعالي، هم من استطاعوا تجاوز هذه الدنيا دون أن تتعلقَّ قلوبهم بها.

لابد أن نُذًّكر أنفسنا دومًا أننا راحلون، حتى نُحررَ أنفسنا من تلك المعاناةِ الشديدة والتي تنتج عن التعُلّقِ الزائدِ بما هو حتميًا زائل!

وصدق القولُ أن التعلّق هو قمة المعاناة، وكى يتمسكَ الإنسانُ بما هو حقيقيٌ وواقعيٌ وأبديٌ ويتخلي عن كل ما هو زائلٍ وخالٍ من القيمة يجب عليه أنْ يتذكّرَ دومًا أنه مسافر وأنها دُنيا (من الدُنو= أى التحقير) زائلة عليه أن يُوقفَ تعلقهِ بها!

“معاناتُك يا مسكينَ تكمنُ فى التعلقِ بالدُنيا، فدعْ غُبارَ التعلقِ عنكْ وتذكرْ أننا مجردْ عابرى سبيل; حتى تتخلص من ذاكَ اليأس والحزن اللامتناهي!”

أَفقْ من غفلتك!

والمسافرُ فى معناه الرُوحىّ، هو منْ يُسافرُ من المادةِ إلي الُروح، من الوَهمِ إلي الواقع، من الزمانِ والمكانِ إلى ما هو أَبديّ.

“الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا” قالَ ذَلك الإمامُ عليّ كرَّم الله وجهَه، فنهايةُ تلك الرحلة ليستْ نهايةٌ حقيقة بل هى البداية، فحينما نموتُ لا نكونُ فى سُباتٍ دائم، على العكس تمامًا نحن نَبدأ فى الاستيقاظ!

علينا أنْ نتحررَ من داءِ التعلقِ بالدُنيا حتى نستطيعَ أن نعيشَ الحياةَ والحبَ بصورةٍ سليمة، وألا  نَنْخَرطَ فى أي غفلةٍ حتى نتجاوزَ هذه الدنيا بِسلام، وقد ذُكرَ فى الحديثِ الشريف “مُوتوا قبلَ أنْ تموتوا” وتلك كناية على أن نتركَ الشهوات ونكون على أهبة الاستعداد للموت.

والمسلم حتى يستطيع العيش مثل عابر السبيل أو المسافر، عليه أن يقتل فى نفسه وهمَ الدنيا والغرور بها، ثم يفقْ من غفلته ويدرك أن الموتَ هو الحقيقة الوحيدة التى لا يوجد بها ذرةُ شك “إِنكَّ  ميتٌ و إنهم ميتون” فلْنَستعدْ !

عُدْ إلى الفطرة!

لقدْ خلقَ اللهُ سبحانه وتعالي كلَّ شيءٍ فى ذلكَ الكونِ فى حالةٍ من الكمالِ و النقاءِ و البراء تُدعى الفطرة، لكننا بكلِ أسفٍ قدْ تعلَقنا بعالمٍ زائفٍ و تلك الفطرةُ قد تلاشت.

وهذه الحالةُ من السكينة والفطرة تتلاشي بزيادةٍ كبيرةٍ و نصيرُ مُهمَّشين كُلما ازدادَ الخوفُ في نفوسِنا، ويأتي الخوفُ من شدةِ التعلُّقِ لذا يجبُ علينا أن نتحررَ من التعلُق وبالتالي يُمكننا القضاءُ تمامًا على الخوف وبالتالي العودة إلي الفطرة.

حينما يعودُ الإنسانُ إلي تمامِ الفطرة، يَصيرُ مدعومًا بإرادةٍ إلهيةٍ فى كُلِ شُؤونه، ومنْ يسعي نحوَ الدُنيا ويحرصُ عليها كُلَّ الحرصِ يفشلُ فى الوصولِ إلي الطَمأنينة والرضا والسعادة، وعلى النقيضِ تمامًا، تُؤتى الدُنيا لمنْ لا يَحرصُ عليها، فاخترْ لكَ طريقًا واسلُكه!

وأخيرًا عِشْ فى الدنيا كأَّنك عابرُ سبيل، عُدْ إلي فطرتك السليمة و عِش حياتكَ بسلامْ.

 

 ترجمة: فاطمة عبد اللطيف
المصدر:
http://www.spiritualexcellence.com/blog/be-in-the-world-as-a-traveler/

 

1 Comments اضافة لك

أضف تعليق